عندما لا أستطيع امتلاك الدنيا و ما فيها... اكتشف,, أنني أملك ورقة و قلم.. و أحلام !!

السبت، 3 مايو 2008

أنا و الونيس..



كثيرا ما أضطر حاليا إلى الجلوس بمفردي, أو ربما أجلس وسط زحام و هرج و مرج, فترى أصوات ولاد أختي تنفذ إلى مسامعي.. حينا يتمتمون بألفاظهم الطفولية, و حينا يلعبون, و حينا يقهقهون عاليا.. و قد أسمع أصوات لباقي أفراد العائلة و التي أعيش بها,, أو أحيانا أتوهم العيش بها.. و لكني في الحقيقة قد أصابني مرض العزلة من ساسي لراسي, فأجدني -ببساطة متناهية- متنحة كدة ببلاهة في الحائط أمامي, أو ربما في تلك الكرة معدومة الملامح بنية اللون و التي لا تستوعبها عيناي أولا,,و لكن تألفها عيناي مع التركيز و أجده دبدوبي المفضل..مضت أكثر من 6 سنين على احتضاني أحد "دباديبي الكميلة اللي مغرقة السرير و الأوضة ببراءة منقطعة النظير",, فأجدني قد جرفني الحنين و تسمرت أمام محل ألعاب, و كم افتقدت ذاك الإحساس فلم أستطع مقاومة هذا الكائن الوديع البرئ,, دبدوب أقل ما يقال عنه أنه بني جميل بكوفية أزرق في أبيض و فرو يحمل أنعم ملمس تلمسته في حياتي,, و ينظر لي عبر زجاج الفاترينة بكل عطف و براءة و استجداء, كأنما يستعطفني لأنقذه من هذه الوحدة لعله يستطيع أن ينقذني منها أنا أيضا.. لم أشعر باستيعاب الموقف غير و أنا قاعدة في البيت لوحدي و أمامي ذلك الشئ اللي هبط عليا من حيث لا أدري في ليالي الامتحانات العصيبة. وجدتني أحتضنه بحنان ربما لم تسنح الظروف مؤخرا لتبادله مع أعز صديقاتي في ساعة فضفضة بسبب الظروف السيئة التي نعيشها و الحالة المزاجية المتعكرة.. أصبحت أرتبط بهذا الشئ الزغبي و لا أدري سبب لكل هذا التعلق و الذي غاب لمدة 6 سنوات بيني و بين عائلته من الفرو.

أجدني الان في أمس الحاجة إلى استخدام كلمة قديمة لطالما حاولت أن أهرب من استخدامها و أنا أهم لتغيير موضوع تعذر علي من فرط الأفكار أو المشاعر إكماله..ألا و هي, كلمتي السحرية الودودة, "ما علينا".. و لا أدري كيف أقلها فيستجب من أمامي ببراءة الأطفال أكننا كنا بنتكلم في السبانخ مثلا و إذ بقدرة قادر نتحول إلى الشوكولاتة و الدندوني و الحادات الحلوينات(كما أقلها و لا أستطيع تغييرها مهما حاولت, فأجد من يقر بأني عبيطة و هربانة من عالم سمسم, و لكن منهم من يضحي بتحمله لهذا العبط, من أمثال أصدقائي اللي اتعرف عنهم الجلد و الصبر على بلائي)..

ما علينااا...

المشكلة في ذلك اليوم لم تكمن في تتنيحي المستمر بهذا الدبدوب صديقي, ولا خناقتي الطفولية مع ابن اختي ذا العامين و نصف و الذي أرى أنه لا يقدر قيمة دبدوبي عندي و هيبته, فيرميه على الأرض أو يكتفي بالغلاسة عليه أو مصمصة الكوفية.. فأضطر أنا اَسفة إلى التضحية بكل لعبي و كنزي من الدباديب لإقناعه بالعدول عن استغلال هذا الشئ الضعيف بالذات في ملذاته الباغية على ممتلكاتي.. الغريب أني لا أمانع أبدا في تمتعه بلعبي من كل شكل و لون, و كثيرا ما ألعب معه أيضا, و لكن قد ربطني بهذا الدبدوب –خاصة- ظاهرة أعجز كثيرا عن تفسيرها بأكثر من مجرد حنين لأيام طفولتي و احتضان أمثاله,, أو ربما لأنها الهدية الوحيدة بحق في عمري التي اشتريتها من مالي, و لنفسي و ليس لأهديها لأحد, و لتعلقي الشديد به في الفاترينة لدرجة عدم احتمال فراقه و المضي بعيدا عن هذا المحل..

مفيش فايدة.. كلاكيت تاني مرة.. نرجع ل "ما عليناااا"..

الأهم أني بقوة غامضة استطعت التغلب في هذا اليوم على حبي لهذا الدبدوب, و داهمني حنين لحب أكبر لم أقدر على التخلص منه طوال العشرين عاما.. حب يراودني عن نفسه فتجدني أحيانا أترفع, و أحيانا أكثر انساق خلفه ولا أستطيع المقاومة.. يتمثل أمامي حبي القديم و حنيني إليه, أيام صبايا و مراهقتي و نضوجي, يطاردني حتى في أحلامي.. أحاول الإدعاء بالانشغال عنه و لا أعيره أهتماما, أحاول دفن تلك الرغبة الجامحة بداخلي بأن أتخلى عن موقفي الأجش و أعود إلى ذكراه حانية متململة اَسفة على كل لحظة أضعتها في بعده عني.. إنه ذلك الإحساس بالخضوع اللذيذ و عدم المقاومة, صفات قلما تجدها في حب برئ كالذي يقمع في قلبي لرفيقي و صديقي الدائم.... الكتاب! قضيت معظم أيام حياتي في التعبير عن هذا الشغف بداخلي لذلك التكوين الورقي البديع, بسطوره المنمقة, بترقيمه المتتابع, بصوره البديعة, و الرائحة العتيقة التي استمتع بها في الكتب القديمة عن الكثير من مثيلاتها الجديدة, و ورقها المصفر و الذي تجدني قد أضحي ببعض الساعات الإضافية لإيجاد نسخته و إيثارها عن الأبيض السهل.. لم أنزعج من نظرات التعجب في عيون أصدقائي الدائمين, اللي كان منى عينهم يا عيني يشوفوني ماسكة حاجة غير كتاب أو مجلة: بداية من ميكي و شلته إلى شكسبير و دوستوفسكي و قرينه تولستوي.. و لكن غالبا ما كان يسفر هذا الصدام الفكري عن اضطهاد و هزار و مسخرة نتشاركها دائما, أينعم ضدي, و لكن عمرها ما كانت سبب خلاف بيننا بل نتذكرها في أيامنا البائسة هذه, و نتلكك –ببساطة- لنضحك بضع دقائق من قلوبنا..

However, أو هكذا صرت أستخدمها كثيرا في كتابتي الانشائية بحكم الكلية حتى باتت جزء لا يتجزأ مني, بحياتي و كل متناقضاتها و التي أصبحت أسخر منها أكثر مما أكترث لها. المهم,, أحس بالتناقض و الغباء المذبهل و أنا أحكي ذلك بينما كان موقفي منذ لحظات ينم عن ترفع و تأفف لفترة طويلة عن هوايتي المفضلة و العتيقة. كنت أشعر أني ينقصني ذاك الصفاء النفسي أو الروحي الذي يهيأ لي اجتماعي الحنون مع ذلك الرفيق تحت ضوء خافت و أنا أداعب ورقاته اللؤلؤية بأناملي, فأشعر بالاكتفاء الذاتي بكل معاني الكلمة من راحة نفسية و تجلي أفكار و احساس بالرضا من تلك الغريزة الدفينة بأعماقي و عشقي لهذا الرفيق و كلماته المرسله و حبره الأسود. و لكن قد مضت ربما سنتان على اَخر استمتاع لي بهذه الجلسات الحانية, و قد تعجبت لموقفي و قسوة قلبي و لكن دون جدوى.. بالطبع اضطررت خلال السنتين أن أدفن نفسي –عقلا لا قلبا- داخل الكتب للدراسة, و لكني لم أعد أتذوق طعم هذه اللذة في فمي عندما أستمتع بكتاب و أنهيه,, ربما لأني خلال سنتين لم أستطع إنهاء كتاب أو رواية واحدة حتى اَخرها. مصيبة و أصابتني, و أنا التي كنت لا أقاوم مجرد الشراء, رحت أتأمل العديد في مكتبتي و التي أنفقت بها معظم مدخراتي على مر السنين, و لكن مازال يرقد بها الكثير من الكتب بأغلفتها اللؤلؤية, كطفل صغير ينتظر أن تداعبه أمه و تهديه قطعة من الحلوى في مقابل قبلة بسيطة حانية على خدها. لم أستطع المقاومة في هذا اليوم و أنا أمر أمام المكتبة -و أنا سايقة العبط خااااالص مصطنعة أني مش شايفة مكتبة 4 رفوف مليانين لاَخرهم- و التفت يمينا و يسارا قبل أن أخطف 3 كتب بيد واحدة رهائن و أهرب قبل أن أدرك الموقف و أرجع في كلامي. أحسست بنهم غريب و شره على القراءة, فبما إني كنت أصلا أمر بحالة من الغيبوبة المؤقتة و الانعزال عن العالم الخارجي, فلم أجد صعوبة في الاعتزال بكنوزي الثلاثة. اكتشفت لاحقا أني قد خطفت بالغريزة كتابين من كتبي المفضلة مؤخرا, و بما أني لم أكتف بقرائتهم أكثر من 3 مرات, فوجدتني قد شرعت في الرابعة تباعا.

لم أصدق نفسي, كانت أول مرة في حياتي (و ليس في سنتين العزلة فقط) أن أجلس يوما كاملا ليس لي نشاط حيوي غير الانكباب على الكتب و الاستمتاع. أمضيت اليوم كله من 5 صباحا تقريبا و حتى الواحدة صباحا في اليوم التالي. أغتالتني سعادة و نشوة و أمل و إرضاء ذاتي في وقت واحد. لم يقطع هذا اليوم الطويل إلا بعض الظروف الحياتية القصيرة كالأكل و الشرب و اللذي منه, و أعود بعدها مسرعة لاستكمال مسيرتي الصامتة في إسعاد تلك البائسة التي طالما أهملتها مؤخرا...اللي هي جنابي طبعا!! قرأت 3 كتب كاملين من الجلدة للجلدة حرفيا, حتى بتلك الصفحة الخالية إلا من سطرين يذكران رقم الطبعة و دار النشر. قرأت ما يزيد عن 850 صفحة, و لم أتوقع أن أصل لهذا الكم في يوم واحد, أو بمعنى أصح, قعدة واحدة. احسست بالارتياح و الألفة و أنا أقرأ الكتابين اللذان سبق لي قرائتهما 3 مرات و استعدت قهقهاتي و انفعالاتي مع الكاتب. و الكتاب الثالث كان رواية اشتريتها منذ زمن حين إصدارها و ظللت أؤجل مشروع قرائتها إلى أن آن في ذلك اليوم دون وعي أو أدنى ترتيب مني..

جلست الساعة الواحدة صباحا و أنا أشعر –و لو بصورة ضعيفة- بارتياح نفسي و بهجة تسري أخيرا في قلبي الجريح منذ فترة طويلة. لم أشعر بنفسي إلا الساعة الثانية بعد أن كتبت هذه السطور.. لا أعرف لماذا كتبتها أو ما الفائدة, فقد تحقق الاستمتاع منذ فتحت يدي لصفحات الكتاب, منذ أن أطلقت لنفسي العنان لتخرج من حبسها و غيبوبتها. و لكني اكتشفت أنه مثلما قادتني غريزتي إلى اختطاف الكتب من المكتبة و الفرار بها إلى ذلك الجو الحالم, فقد وجدتني لا شعوريا أمسك بالقلم و أتمتم بكلمات ربما لن يسمعها أحد, و لا حتى نفسي...



أشعر باختناق..
بهم فوق دماغي لا يطاق
بفوضى و عتمة و حدود و انسياق

أشعر بالحنين..
بمية و رملة و ضحكات بالسنين
بقلب يرفرف و حمرة على الخدين

أشعر بالضياع..
بأفكار مقيدة و تفكير بانصياع
بسما ملبدة و أفق حكماه ضباع

أشعر بالزقططة..
بدنيا حلوة صغيورة مقطقطة
بعصفورة تزقزقلي و بحر أملاه بلبطة

أشعر بالغباء..
حينما حبست نفسي منذ ذاك المساء
و وددت أن أرقص و أضحك و أنتعش بالغناء
و لكني جلست وحدي و ضاعت حياتي هباء
و ها أنا ذا أكتب شعراً ربما, يوماُ, أسمع لي نداء..


(خاطرة كتبتها في إحدى أوقات التشتت و سماء الأفكار الملبدة بالغيوم التي كنت أعيشها)

**ملحوظة : لكل من قعد يهري و ينكت في نفسه و الفضول قتله و قتل قطط الجيران كلها,, الثلاث كتب اللي قريتهم هم :
- "ح نعيش كده.. و نموت كده"  ليوسف معاطي
- "تـــــاكـســــــي"  لخالد الخميسي
- "شــيــكـــاجــــو"  لعلاء الأسواني,,و هم من أوائل ترشيحاتي لكم..



هناك 8 تعليقات:

صبري سراج يقول...

كده انا عرفتك لأني قريت البوست قبل كده.. حنان فتاة الاسكندرية اللي بتتكلم كتير:d الموضوع تحفة جدا جدا.. احساسك ولغتك مميزين جدا والأهم إنك تنفعي صحفية هايلة وبتكلم جد

Hanan Fikry يقول...

ميرسي أويييي يا صبري على كلامك الجميل و تشجيعك ده من أيام ما كتبت البوست ده في إيجي.. رأيك يشرفني بجد و ياريت الواحد يقدر يوصل يوما ما لجزء بسيط من نجاحك الصحفي ما شاء الله عليك.. D:

و مبسوطة أكتر أن لقب الرغاية هو اللي فكرك بيا و شرفت مدونتي بجد.. :)

Superman يقول...

وحشتني القراية..رغم انني بحب الكتب بس اسعارها بقت غالية و كتابها بقوا اسوأ

Unknown يقول...

حنان :D
الله على اسلوبك وعلى طريقتك فى الكتابة
بجد شدتنى اوى ...... بسم الله ماشاء الله
وفعلا لما بتغيبى عن القراية
بتحسى انها واحشاكى اوى وانك غريبة عنها
انا معاكى فى دى اوى اوى
ربنا يوفقك

بجد بجد مستنى جديدك اكتر من الاول

Hanan Fikry يقول...

شريف.. ميرسي أوي بجد على ردك و تشجيعك الدائم ده.. و القراية و الكتب بجد بيوحشوني أوي.. القراية اللي بتكون لمتعتي الخاصة,, أكتر حاجة بحس أني بشبع بيها رغبتي في إسعاد نفسي و أكتر حاجة بتسهم في ده..

أنا دودة كتب زي ما بيقولوا.. :) و بعتز بكتبي أوي أوي, و ممكن استمتع بكتاب عاجبني أكتر من مرة و أنا في منتهى السعادة.. ان شاء الله مش حغيب عليها تاني و أنت كمان بما أنك بتشاركني نفس الهواية..

و ميرسييي تاني لردك و ياريت تشرفني دايما..

Hanan Fikry يقول...

سولتوووو عزيزي.. مش كل الكتب أو الكتاب بقوا سيئين.. لسه فيه أدب.. لسه فيه فن.. أنت بس دور بذمة و جرب.. D:

و أنا عارفة أنك أصلا مبتعرفش تقاوم القراية.. :)

Superman يقول...

قريت كتاب "تاكسي" من يومين!
ده كتاب مقرف و مقزز..ايه الاسلوب الفج ده؟
بعدين واضح اصلا ان الراجل مخترع القصص..مش حاسس بأى مصداقية في اللي قريته!

Unknown يقول...

ازيك يا حنان .... عاملةاية ؟؟
يارب تكونى بخير وكلة تمام يارب

فينك كدة ؟؟؟ ... مختفية خالص وبستنى جديدك مبتبانيش خالص ؟؟
انا بتابع وبدخل البلوج على طول بس بلاقى مافيش جديد
يارب يكون المانع خير ان شاء الله يارب
ربنا معاكى ان شاء الله

مع السلامة :)